فصل: تفسير الآيات (1- 4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (78- 83):

{لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)}
{لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ} يقول أرسلنا إليكم يا معشر قريش رسولنا بالحق، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}.
{أَمْ أَبْرَمُوا} أم أحكموا {أَمْرًا} في المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم، {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} محكمون أمرًا في مجازاتهم، قال مجاهد: إن كادوا شرا كدتهم مثله.
{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} ما يسرونه من غيرهم ويتناجون به بينهم، {بَلَى} نسمع ذلك ونعلم، {ورسلنا} أيضًا من الملائكة يعني الحفظة، {لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}.
{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} يعني إن كان للرحمن ولد في قولكم وعلى زعمكم، فأنا أول من عبده فإنه واحد لا شريك له ولا ولد. وروي عن ابن عباس: {إِنْ كَانَ} أي ما كان للرحمن ولد، فأنا أول العابدين الشاهدين له بذلك، جعل: {إن} بمعنى الجحد.
وقال السدي: معناه لو كان للرحمن ولد فأنا أول من عبده بذلك، ولكن لا ولد له.
وقيل: {العابدين} بمعنى الآنفين، أي: أنا أول الجاحدين والمنكرين لما قلتم.
ويقال: معناه: أنا أول من غضب للرحمن أن يقال له ولد، يقال: عبد يعبد إذا أنف وغضب.
وقال قوم: قل ما يقال: عبد فهو عابد، إنما يقال: فهو عبد.
ثم نزه نفسه فقال: {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} عما يقولون من الكذب.
{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا} في باطلهم، {وَيَلْعَبُوا} في دنياهم، {حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} يعني يوم القيامة.

.تفسير الآيات (84- 89):

{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)}
{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ} قال قتادة: يعبد في السماء وفي الأرض لا إله إلا هو، {وَهُوَ الْحَكِيمُ} في تدبير خلقه، {الْعَلِيمُ} بمصالحهم.
{وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} قرأ ابن كثير والكسائي {يرجعون} بالياء، والآخرون بالتاء.
{وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} وهم عيسى وعزير والملائكة فإنهم عبدوا من دون الله، ولهم الشفاعة، وعلى هذا يكون {من} في محل الرفع، وقيل: {من} في محل الخفض، وأراد بالذين يدعون عيسى وعزير والملائكة، يعني أنهم لا يملكون الشفاعة إلا من شهد بالحق، والأول أصح، وأراد بشهادة الحق قوله لا إله إلا الله كلمة التوحيد، {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم.
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} يصرفون عن عبادته.
{وَقِيلِهِ يَا رَبِّ} يعني قول محمد صلى الله عليه وسلم شاكيًا إلى ربه: يا رب، {إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ} قرأ عاصم وحمزة {وقيله} بجر اللام والهاء، على معنى: وعنده علم الساعة وعلم قيله يا رب، وقرأ الآخرون بالنصب، وله وجهان: أحدهما معناه: أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم وقيله يا رب، والثاني: وقال قيله.
{فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} أعرض عنهم، {وَقُلْ سَلامٌ} معناه: المتاركة، كقوله تعالى: {سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين} [القصص- 55]، {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} قرأ أهل المدينة والشام بالتاء، والباقون بالياء، قال مقاتل: نسختها آية السيف.

.سورة الدخان:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 4):

{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)}
{حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} قال قتادة وابن زيد: هي ليلة القدر أنزل الله القرآن في ليلة القدر من أم الكتاب إلى السماء الدنيا، ثم نزل به جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم نجومًا في عشرين سنة. وقال آخرون: هي ليلة النصف من شعبان.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، حدثنا أبو جعفر الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا الأصبغ بن الفرج، أخبرني ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث أن عبد الملك بن عبد الملك حدثه أن ابن أبي ذئب واسمه مصعب حدثه عن القاسم بن محمد عن أبيه أو عمه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل الله جل ثناؤه ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لكل نفس إلا إنسانًا في قلبه شحناء أو مشركًا بالله» {إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}.
{فِيهَا} أي في الليلة المباركة، {يُفْرَقُ} يفصل، {كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} محكم، وقال ابن عباس: يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال حتى الحجاج، يقال: يحج فلان ويحج فلان، قال الحسن ومجاهد وقتادة: يبرم في ليلة القدر في شهر رمضان كل أجل وعمل وخلق ورزق، وما يكون في تلك السنة.
وقال عكرمة: هي ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وتنسخ الأحياء من الأموات فلا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، حدثنا أبو جعفر الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني عقيل، عن ابن شهاب، أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل لينكح ويولد له ولقد أخرج اسمه في الموتى».
وروى أبو الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الله يقضي الأقضية في ليلة النصف من شعبان، ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر.

.تفسير الآيات (5- 9):

{أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)}
{أَمْرًا} أي أنزلنا أمرًا، {مِنْ عِنْدِنَا} قال الفراء: نصب على معنى: فيها يفرق كل أمر فرقًا وأمرًا، أي نأمر ببيان ذلك أمرًا {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} محمدًا صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الأنبياء.
{رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ} قال ابن عباس: رأفة مني بخلقي ونعمتي عليهم بما بعثنا إليهم من الرسل. وقال الزجاج: أنزلناه في ليلة مباركة للرحمة، {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} قرأ أهل الكوفة: {رب} جرًّا، ردًا على قوله: {من ربك}، ورفعه الآخرون ردًا على قوله: {هو السميع العليم}، وقيل: على الابتداء، {إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} أن الله رب السموات والأرض.
{لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ} من هذا القرآن، {يَلْعَبُونَ} يهزؤون به لاهون عنه.

.تفسير الآيات (10- 12):

{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)}
{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} اختلفوا في هذا الدخان:
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن كثير، عن سفيان، حدثنا منصور والأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: بينما رجل يحدث في كندة، فقال: يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، ويأخذ المؤمن كهيئة الزكام، ففزعنا فأتيت ابن مسعود وكان متكئًا فغضب فجلس، فقال: من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، فإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} [ص- 86]، وإن قريشًا أبطؤوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم أَعِنِّي عليهم بسبع كسبع يوسف» فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام، ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان، فجاء أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم، فقرأ: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} إلى قوله: {إنكم عائدون}، أفيكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء؟ ثم عادوا إلى كفرهم، فذلك قوله: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} يعني يوم بدر و{لزامًا} يوم بدر، {آلم غلبت الروم}، إلى {سيغلبون} [الروم- 3]، الروم قد مضى.
ورواه محمد بن إسماعيل عن يحيى عن وكيع عن الأعمش، قال: قالوا: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} فقيل له: إن كشفنا عنهم عادوا إلى كفرهم، فدعا ربه فكشف عنهم فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر، فذلك قوله: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين}، إلى قوله: {إنا منتقمون}.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا يحيى، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عبد الله قال: خمس قد مضين اللزام والروم والبطشة والقمر والدخان.
وقال قوم: هو دخان يجيء قبل قيام الساعة ولم يأت بعد، فيدخل في أسماع الكفار والمنافقين حتى يكون كالرأس الحنيذ، ويعتري المؤمن منه كهيئة الزكام وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه النار، وهو قول ابن عباس وابن عمر والحسن.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا عقيل بن محمد الجرجاني، حدثنا أبو الفرج المعافي بن زكريا البغدادي، حدثنا محمد بن جرير الطبري، حدثني عصام بن رواد بن الجراح، حدثنا أبي، أخبرنا أبو سفيان بن سعيد، حدثنا منصور بن المعتمر عن ربعي بن خراش قال: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول الآيات الدخان، ونزول عيسى بن مريم، ونار تخرج من قعر عدن أبين، تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا»، قال حذيفة: يا رسول الله وما الدخان؟ فتلا هذه الآية: {يوم تأتي السماء بدخان مبين}، يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يومًا وليلة، أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام، وأما الكافر فكمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره.

.تفسير الآيات (13- 18):

{أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18)}
{أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى} من أين لهم التذكر والاتعاظ؟ يقول: كيف يتذكرون ويتعظون؟ {وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} ظاهر الصدق يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم.
{ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ} أعرضوا عنه، {وَقَالُوا مُعَلَّمٌ} أي يعلمه بشر، {مَجْنُونٌ}.
قال الله تعالى: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ} أي عذاب الجوع، {قَلِيلا} أي زمانًا يسيرًا، قال مقاتل: إلى يوم بدر. {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} إلى كفركم.
{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} وهو يوم بدر، {إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} وهذا قول ابن مسعود وأكثر العلماء، وقال الحسن: يوم القيامة، وروى عكرمة ذلك عن ابن عباس.
{وَلَقَدْ فَتَنَّا} بلونا، {قَبْلَهُمْ} قبل هؤلاء، {قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} على الله وهو موسى بن عمران.
{أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} يعني بني إسرائيل أطلقهم ولا تعذبهم، {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} على الوحي.

.تفسير الآيات (19- 27):

{وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)}
{وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ} لا تتجبروا عليه بترك طاعته، {إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} ببرهان بَيِّن على صدق قولي، فلما قال ذلك توعدوه بالقتل، فقال: {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ}. {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ} أي: تقتلوني، وقال ابن عباس: تشتموني وتقولوا هو ساحر. وقال قتادة: ترجموني بالحجارة.
{وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ} فاتركوني لا معي ولا علي. وقال ابن عباس: فاعتزلوا أذاي باليد واللسان، فلم يؤمنوا.
{فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ} مشركون، فأجابه الله وأمره أن يسري، فقال: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا} أي ببني إسرائيل، {إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} يتبعكم فرعون وقومه.
{وَاتْرُكِ الْبَحْرَ} إذا قطعته أنت وأصحابك، {رَهْوًا} ساكنًا على حالته وهيئته، بعد أن ضربته ودخلته، معناه: لا تأمره أن يرجع، اتركه حتى يدخله آل فرعون، وأصل الرهو: السكون. وقال مقاتل: معناه: اترك البحر رهوًا راهيا أي: ساكنًا، فسمي بالمصدر، أي ذا رهو. وقال كعب: اتركه طريقًا. قال قتادة: طريقًا يابسًا. قال قتادة: لما قطع موسى البحر عطف ليضرب البحر بعصاه ليلتئم وخاف أن يتبعه فرعون وجنوده فقيل له: اترك البحر رهوًا كما هو، {إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ} أخبر موسى أنه يغرقهم ليطمئن قلبه في تركه البحر كما جاوزه. ثم ذكر ما تركوا بمصر.
فقال: {كَمْ تَرَكُوا} يعني بعد الغرق {مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} مجلس شريف، قال قتادة: الكريم الحسن.
{وَنَعْمَةٍ} ومتعة وعيش لين، {كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} ناعمين وفكهين: أشرين بطرين.